الحسين شهيـداً على أرض كـربلاء
الفارس المغوار يُعيد الكر على القطعان التى تتكاثر عليه .التاريخ يحبس أنفاسه. سيف الحسين يغوص فى التاريخ ليضرب عتبة وشيبة وأبوجهل وعمر بن ود ومرحب. دورة التاريخ ترتبك تقف ساعته حائرةً وسط صحراء كربلاء. الكتائب تهاب لقاء الحسيب النسيب. تفرّ مذعورة بين يديه، تواجهه بوابل من سهام من كل حدب وصوب. الحسين يصول ويكر عليهم. أراه بعينى يقهر الموت. جراحه المتدفقة ينابيع فوّارة تروى الرمال المتوهّجة. يتربص به كلب اعور يدعى أبو الحتوف يرميه بسهم فى جبينه. الحسين ينتزع السهم. تتدفق الدماء النبوية من جبهته الشريفة الشّماء. لا زال الحسين يواصل القتال وهو يهمس للسماء: اللهم إنك ترى ما أنا فيه من عبادك هؤلاء العصاة، اللهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تذر على وجه الأرض منهم أحداً، ولا تغفر لهم أبداً. الجسد الواهن يئن بصاحبه من كثرة الطعنات. تتسرب منه الدماء. دماء كثيرة صبغت وجه الأرض. الحسين يتحامل على جراحه النازفة. فجاءه سهم محددّ له ثلاث شعب ينطلق. ينغرس السهم المثلث فى قلب الحسين. السهم يتشبث بالقلب الجبل. إنها النهاية. نهاية الألم. بداية الرحيل إلى عوالم قدسية. يتأوّه الحسين ويقول: بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله. ثم يرفع وجهه نحو السماء متضرعاً: إلهى إنك تعلم أنهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض ابن بنت نبى غيرى . السهم يغوص قاسياً فى الجسد الواهن وتنبعث الدماء غزيرة. غزيرة. السماء تنشد ترانيم الوداع. الحسين يملأ كفّيه دماً ثم يطوّح به نحو السماء ويهتف: هوّن ما نزل بى أنه بعين الله. دماء السبط الزكية تطير فى عالم الأفلاك. تصبغ النجوم تلوّن التاريخ. الحسين يتهيأ للقاء، يملأ كفّيه دماً، ثم يخضب رأسه ولحيته ويقول : هكذا ألقى الله .. وجدّى رسول الله. الجبل أعياه نزف الدم، الجبل يتصدع ثم يهوى على الأرض كنجم منطفئ. الجسد المنتفض تحيط به الكلاب المسعورة. تنهش جسده. يبتسم الحسين ويهمس: هذا تأويل رؤياى قد جعلها ربّى حقاً. الفجرة يتناشونه يضربه زرعة على كتفه الأيسر، يرميه ابن نمير فى حلقه يطعنه سنان فى ترقوته، ثم فى صدره ، ثم يرميه بسهم فى نحره. يا الله الكلاب تنهش جسده النورانى. الحسين يودع الدنيا ويقول: اللهم متعالى المكان، عظيم الجبروت، شديد المحال، غنيّ عن الخلائق، عريض الكبرياء، قادر على ما تشاء، قريب الرحمة، صادق الوعد، سابغ النعمة، حسن البلاء، قريب إذا دعيت، محيط بما خلقت، أدعوك محتاجاً وأرغب إليك فقيرا، صبراً على قضائك يا رب لا إله سواك
كتب : المستشار الدكتور / محمد الدمرداش - روز اليوسف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق